نظام الإجراءات الجزائية له غاية أساسية هي حماية المجتمع من مخاطر الإجرام, أي تحقيق الأمن الوطني للدولة, وهو في هذا يتفق في غايته مع قانون العقوبات. فضلاً عن ذلك فإن له غاية أخرى هي حماية البريء من إدانة ظالمة، بل وحماية المجرم ذاته من إجراءات تعسفية وظالمة تتخذها السلطات المختصة تمتهن فيها كرامة الإنسان، وكذلك حمايته من عقوبة أشد مما يستحق، لهذا فإن تحقيق هذه الغاية يتطلب اتخاذ إجراءات بطيئة تتعدد فيها الضمانات وتكفل فيها فرص الدفاع عن نفسه. إذ إن هذا النظام يحكم علاقات ناشئة عن ارتكاب الجريمة، وهي علاقات تتدخل فيها الدولة بوصفها سلطة ذات سيادة في مواجهة الأفراد، فتلجأ إلى استخدام القوة وإيلام الأفراد بضوابط معينة، فهو ينظم نشاط السلطات العامة المتجه إلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع في ملاحقة المجرمين.
ويترتب على ذلك أن غالبية قواعده تعد من القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام، فلا يجوز النزول عما تقرره من حقوق للمجتمع في ملاحقة المجرمين, ومن ثم تترتب النتائج التالية: أن الدعوى الجنائية تتعلق بالنظام العام، فلا يجوز لهيئة التحقيق والادعاء العام أن تتصالح فيها مع المُتهم وليس لها أن تنزل عن طريق من طرق طعن قراره لها النظام, كما أن الأصل أنه نظام شكلي وليس نظاماً موضوعاً.
ويبدو دوره الأساسي في أن قواعده هي الوسيلة الفنية الوحيدة لوضع القواعد الموضوعية التي قررتها الشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها فيما يتعلق بالجرائم والعقوبات المقررة لها موضع التنفيذ, بنقلها من موضع السكون إلى موضع الحركة، فما تتضمنه هذه القواعد الموضوعية من نصوص تجريم وعقاب لا يتصور تطبيقها بغير إجراءات تكشف الحقيقة في شأن جرائم ارتكبت, وتحدد المسئولين عنها, وتنزل بهم العقوبات، فإذا لم يوجد نظام إجرائي فإن هذه القواعد والنصوص تبقى قواعد نظرية لا تجد السبيل إلى التطبيق العملي.
لهذا قيل أن قانون العقوبات هو حق المجتمع في العقاب في حالة السكون والركود، أما قانون الإجراءات الجنائية فهو حق المجتمع في حالة الحركة والفعالية. كما قيل أن قانون العقوبات يضع قيداً على سلوك المواطنين, وينذر بالعقاب من يتعدى هذا القيد, أما قانون الإجراءات فيضع قيداً على سلوك رجال السلطة العامة ورجال القضاء فيما يتعلق بأسلوب الكشف عن الجريمة والتحقيق فيها والمحاكمة وتنفيذ الحكم.
فضلاً عن ذلك فإن قواعده تستند عادة إلى قواعد ونصوص عليا تضمن احترام حقوق المُتهم كإنسان, مثال ذلك ما ينص عليه النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية الصادر بالأمر الملكي رقم(أ/90) وتاريخ27 /8 / 1412هـ من نصوص تحمي خصوصية الإنسان، وتضمن عدم المساس بها, حيث تُعد هذه النصوص الأساس في تطبيق أحكام نظام الإجراءات الجزائية, إذ إن النظام الأساسي للحُكم يتضمن التزام الدولة بإقامة العدالة وحسن توزيعها بين المواطنين, فلا يقتصر واجبها على مجرد تقرير الحقوق لمواطنيها في قوانين وأنظمة تصدرها، بل إن من واجبها إعطاء هذه الحقوق الفعالية والتطبيق عن طريق قضاء مُتخصص ومُحايد يخضع للنظام ويُمارس وظيفته طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة التي يصدرها ولي الأمر.
Good post! We are linking to this particularly great article
on our website. Keep up the great writing.
My blog post: John E. Snyder